فصل: بَابُ دَعْوَةِ الْقَرَابَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ دَعْوَةِ إحْدَى الْإِمَاءِ:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَمَةٌ لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ وَلَدَتْهُمْ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَقَالَ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ: أَحَدُ هَؤُلَاءِ ابْنِي، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُثْبِتَ نَسَبَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ)؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى نَسَبُهُ مَجْهُولٌ وَنَسَبُ الْمَجْهُولِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ أَحَدٍ، إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِيَكُونَ مُنْقَطِعًا بِخَطَرِ الْبَيَانِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْمَجْهُولِ، وَالْجَارِيَةُ تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّ لَهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ بِمَوْتِ مَوْلَاهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَتُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ إذَا لَمْ يَعْمَلْ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ كَانَتْ إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَحَدُهُمْ حُرٌّ فَيُعْتَقُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعْتَقُ مِنْ الْأَكْبَرِ ثُلُثُهُ وَمِنْ الْأَوْسَطِ نِصْفُهُ وَالْأَصْغَرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ إنْ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالدَّعْوَةِ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوْسَطَ أَوْ الْأَصْغَرَ لَمْ يُعْتَقْ الْأَكْبَرُ فَهُوَ حُرٌّ فِي حَالٍ، عَبْدٌ فِي حَالَيْنِ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ.
وَأَمَّا الْأَوْسَطُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودَ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَكْبَرَ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا تُعْتَقُ أُمُّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَصْغَرَ لَمْ يُعْتَقْ الْأَوْسَطُ فَهُوَ يُعْتَقُ فِي حَالَيْنِ، وَلَا يُعْتَقُ فِي حَالٍ، وَأَحْوَالُ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ بِخِلَافِ حَالِ الْحِرْمَانِ فَلِهَذَا يُعْتَقُ نِصْفُهُ.
فَأَمَّا الْأَصْغَرُ فَهُوَ حُرٌّ بِيَقِينٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوْسَطَ أَوْ الْأَكْبَرَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْحُرِّيَّةِ مُخْتَلِفَةٌ، وَحُكْمُهُ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَقْصُودًا بِالدَّعْوَةِ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَهُ كَانَتْ حُرِّيَّتُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا وَتَبَعًا مُنَافَاةٌ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَحُرِّيَّةِ الْعِتْقِ مُنَافَاةٌ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا فَلِهَذَا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ يُعْتَقُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ أَمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى فَيَكُونُ حُرًّا كُلَّهُ أَوْ لَا يَكُونُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ فَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهُ، وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا لَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَقَالَ الْمَوْلَى: قَدْ وَلَدَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ مِنِّي وَلَدًا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ هَذَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ هَذَا الْمُعَرَّفِ وَالْمَوْلَى إنَّمَا أَقَرَّ بِنَسَبِ الْمُنْكَرِ، وَالْمُنْكَرُ غَيْرُ الْمُعَرَّفِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِإِقْرَارِهِ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ عَبْدًا لَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِنَسَبِهِ، وَلَا بِانْفِصَالِهِ عَنْ الْأُمِّ بَعْدَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا وَالرِّقُّ فِيهَا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْطُلُ بِالِاحْتِمَالِ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ هُنَا: يُعْتَقُ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا قَبِيحٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ قَدْ أَسْقَطَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ مِنِّي سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَكَانَ يُعْتَقُ بِهِ شَيْئًا مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ لَا يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْهُ فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادِ لِأُمٍّ مَعْرُوفٍ كَانَ لَهَا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلٍّ وَلَدٍ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِدَعْوَتِهِ كَانَ هَذَا إقْرَارًا بِالْعِتْقِ لِأَحَدِهِمْ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ قَالَ: وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَةٌ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ فَلَمْ يَدَّعِيهِ الْمَوْلَى حَتَّى كَبُرَ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لِلْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ ادَّعَى الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي يَعْنِي الْمَيِّتَ وَابْنَهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ الْأَصْلُ كُلُّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ لَمَّا لَمْ تَعْمَلْ فِي حَقِّ النَّسَبِ انْقَلَبَ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ، وَقَالَ: أَحَدُهُمَا حُرٌّ عَتَقَ الْحَيُّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ.
وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُرِّيَّةِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرَ عَتَقَ الْأَسْفَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمَةِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَ ابْنِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَتَسْعَى أَمَةٌ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَسْفَلَ فَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَكْبَرُ لَمْ يُعْتَقْ هَذِهِ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهَا، وَسَعَتْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا، وَكَذَلِكَ الْجَدَّةُ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِهَذَا قَالَ: أَمَةٌ لِرَجُلِ وَلَدَتْ ابْنَتًا، ثُمَّ وَلَدَتْ ابْنَتَهَا ابْنَتًا فَقَالَ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ: إحْدَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَلَدِي، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ نِصْفُ الْعُلْيَا وَجَمِيعُ الْوُسْطَى، وَجَمِيعُ السُّفْلَى؛ لِأَنَّ الْعُلْيَا تُعْتَقُ فِي حَالَيْنِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالدَّعْوَةِ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ ابْنَتَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ أَسْفَلَهَا فَهِيَ أَمَةٌ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهَا فَأَمَّا الْوُسْطَى فَهِيَ حُرَّةٌ بِيَقِينٍ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمَقْصُودَةَ فَهِيَ حُرَّةٌ بِالنَّسَبِ، وَإِنْ كَانَتْ ابْنَتَهُمَا فَهِيَ حُرَّةٌ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ أُمَّهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فَهِيَ بِنْتُ بِنْتِ الْمَوْلَى، وَكَذَلِكَ السُّفْلَى حُرَّةٌ بِيَقِينٍ.
وَلَمْ يَذْكُرُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِ يُعْتَقُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ هَذَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ حُرَّةٌ، وَقِيلَ بَلْ الْجَوَابُ قَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا بِجِهَةِ النَّسَبِ كَيْفَ مَا كَانَ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْجِهَاتِ هُنَا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ: وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ ابْنَتًا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ ابْنَتَيْنِ فِي بَطْنٍ آخَرَ، ثُمَّ وَلَدَتْ ابْنًا فِي بَطْنٍ آخَرَ، ثُمَّ نَظَرَ الْمَوْلَى إلَى الْأَكْبَرِ، وَإِلَى إحْدَى الِابْنَتَيْنِ فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ وَلَدِي، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَعَتَقَتْ الْأَمَةُ بِجِهَةِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِمَا بَيَّنَّا وَيُعْتَقُ مِنْ الْكُبْرَى نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا، وَيُعْتَقُ مِنْ الْأَوْسَطَيْنِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي غَيْرِ الْأُصُولِ قَالَ يُعْتَقُ عَبْدُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا.
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِدَعْوَتِهِ انْقَلَبَ إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَيُعْتَقُ نِصْفُ الْكُبْرَى فِي نِصْفِ الْحُرِّيَّةِ وَحَظُّ الْأَوْسَطَيْنِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَيَصِيرُ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلٍّ وَاحِدٍ رُبُعُهَا.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُرِّيَّةِ الَّذِي بَقِيَ الْعِتْقُ مِنْ وَسَطَيْنِ، وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْآخَرِ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ، وَلَا فِي النَّسَبِ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ لِأَحَدِهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِهِ لَهُمَا فَمَا يُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِحُكْمِ هَذَا الْإِقْرَارِ وَهُوَ نِصْفُ رَقَبَتِهِ يُعْتَقُ مِنْ الثَّانِي مِثْلَهُ.
وَأَمَّا الْأَصْغَرُ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِأَنَّهُ، وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا تُعْتَقُ أَمَتُهُ.
قَالَ: وَلَوْ نَظَرَ الْمَوْلَى إلَى الْأَصْغَرِ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ يُعْتَقُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفُهُ، وَمِنْ الْأَصْغَرِ أَيْضًا نِصْفُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ صَارَ إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ لَهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعْتَقُ الْأَصْغَرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِيَقِينٍ إمَّا لِأَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمِّ وَلَدِهِ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ.
وَقَالَ يُعْتَقُ مِنْ الْأَوْسَطَيْنِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرَ فَهُمَا حُرَّانِ بِالِاسْتِيلَادِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْغَرَ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نِصْفُهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ مِنْ الْأَوْسَطَيْنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَوْلَى لَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا وَقِيلَ بَلْ الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْعِتْقِ لَهُمَا وَاحِدَةٌ وَهُوَ التَّبَعِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ الْحَالَانِ فِي حَقِّهِمَا فَلِهَذَا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفٌ قَالَ: رَجُلٌ لَهُ أَمَةٌ لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ، وَلَدَتْهُمْ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ فَقَالَ الْمَوْلَى لِلْأَكْبَرِ مِنْهُمْ هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلدَّعْوَةِ وَصَارَتْ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْآخَرَيْنِ مِنْهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْآخَرَيْنِ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أُمُّ، وَلَدٍ وَلَدَتْهُمَا عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حِينِ عَلِقَتْ بِالْأَكْبَرِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ، وَتَخْصِيصُهُ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَةِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ النَّفْيِ، وَلَا الْإِثْبَاتِ، وَلَنَا أَنَّ تَخْصِيصَهُ الْأَكْبَرَ بِدَعْوَةِ النَّسَبِ دَلِيلُ النَّفْيِ فِي حَقِّ الْآخَرَيْنِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَرْعًا إظْهَارُ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ فَكَانَ تَخْصِيصُهُ الْأَكْبَرَ بَعْدَ وُجُوبِ الْإِظْهَارِ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ دَلِيلُ النَّفْيِ فِي حَقِّ الْآخَرَيْنِ، وَدَلِيلُ النَّفْيِ كَصَرِيحِ النَّفْيِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَكَذَلِكَ بِدَلِيلِ النَّفْيِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قِيلَ: إنَّ سُكُوتَ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ- عَنْ الْبَيَانِ بَعْدَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِالسُّؤَالِ دَلِيلُ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَجَبَ عِنْدَ السُّؤَالِ فَكَانَ تَرْكُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ دَلِيلَ النَّفْيِ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ الْآخَرَانِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا، وَلَدَانِ لِأُمِّ الْوَلَدِ فَيُعْتَقَانِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ إقْرَارِهِ وَلَدًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَمْ يَنْفِهِ الْمَوْلَى، وَلَمْ يَدَّعِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ ابْنُهُ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنَّهَا بِالدَّعْوَةِ صَارَتْ فِرَاشًا لِلْمَوْلَى؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُ هَذَا الْوَلَدِ مِنْهُ، وَفِي الْكِتَابِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْفِرَاشَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ، وَهَذَا يَكُونُ طَرِيقًا آخَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: أَنَّ انْفِصَالَ الْوَلَدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الْفِرَاشِ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ قَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أُمَّتَهُ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْ أَسْقَطَتْ مِنْهُ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَرِيضٌ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ نَفَاهُ انْتَفَى بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِحَيْضَةٍ لَا يَنْتَفِي النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِنْ نَفَاهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا بِالْحَيْضَةِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ بِالْوَطْءِ تَصِيرُ فِرَاشًا لَهُ، وَلَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ ذَلِكَ الْفِرَاشِ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ فَلَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لِلْمَوْلَى عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِرَاشٌ مُجَوَّزٌ لَا مُلْزِمٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَمْلِكُ نَقْلَ فِرَاشِهِ إلَى غَيْرِهِ بِالتَّزْوِيجِ فَكَمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ الْفِرَاشُ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ بِنَقْلِهَا إلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ النَّسَبُ بِحُكْمِهِ يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ بِنَفْيِهِ بِخِلَافِ فُرُشِ الْمَنْكُوحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ دَعْوَةِ الْقَرَابَةِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ ادَّعَى ابْنُهُ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَوَلَدَتْ لَهُ هَذَا الْوَلَدَ، وَأَنْكَرَهُ الْأَبُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ بَيِّنَتَهُ تَقُومُ عَلَى النِّكَاحِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلِابْنِ فِي جَارِيَةِ أَبِيهِ تَأْوِيلُ مِلْكٍ، وَلَا لَهُ حَقٌّ بِمِلْكِهَا عَلَى أَبِيهِ فَكَانَ هُوَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ سَبَبُهُ بِالْحُجَّةِ، وَهُوَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ قَالَ: وَإِذَا ادَّعَى الْأَبُ وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ، وَالِابْنُ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَدَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ لِانْعِدَامِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ؛ وَلِمَا كَانَ لِلْمَوْلَى فِيهَا مِنْ مِلْكٍ أَوْ حَقِّ مِلْكٍ وَشَرْطُ صِحَّةِ دَعْوَةِ الْأَبِ نَقْلُهَا إلَى مِلْكِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الِابْنُ مُسْلِمًا وَالْأَبُ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ: وَإِذَا لَوْ وَلَدَتْ أَمَةُ الرَّجُلِ فَادَّعَاهُ آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ، وَأَنْكَرَهُ الْمَوْلَى لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ الْعَمُّ وَالْخَالُ وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَهُمْ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا، وَقَدْ ادَّعَاهُ مِنْ جِهَةِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ مِنْ جِهَةِ مِلْكٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمِلْكِ كَالْمُجَدِّدِ لِذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ قَبْلَ الْمِلْكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمِلْكِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ إقْرَارِهِ مَحْمُولٌ عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعًا وَالْأَسْبَابُ الْمُثْبِتَةُ لِلْفِرَاشِ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهَا النَّسَبُ كَثِيرَةٌ، وَلَوْ مَلَكَ أُمَّهُ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ حِينَ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ وَالنَّسَبِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِالنَّسَبِ مُثْبِتٌ لَهَا الْفِرَاشَ وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالنِّكَاحِ فَاسِدًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا، وَذَلِكَ مُوجِبُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا إذَا مَلَكَهَا، وَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ أَبَ الْمُدَّعِي وَهُوَ يَجْحَدُ مَقَالَةَ ابْنِهِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الِابْنِ، وَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْأَبِ حِينَ ادَّعَاهُ الِابْنُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مَعَ جُحُودِ الْأَبِ، فَإِذَا اعْتَرَضَ مِلْكَ الْأَبِ أَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ يُعْتَقُ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الِابْنِ.
قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَادِمٍ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَادَّعَى الزَّوْجُ الْوَلَدَ، وَكَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا، وَكَانَ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَ الزَّوْجِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ دَعْوَتُهُ دَعْوَةَ اسْتِيلَادٍ فَبَطَلَ بِهِ تَمْلِيكُهَا مِنْ الْمَرْأَةِ صَدَاقًا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بَطَلَتْ بَعْدَ صِحَّتِهَا فَوَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّتْ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ وَهُوَ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَهُ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ لَوْ أَعْتَقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ عَلَى إبْطَالِ مِلْكِهَا عَنْ عَيْنِ الْخَادِمِ حِينَ كَذَّبَتْهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَنْتَصِفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الْخَادِمُ الْمَقْبُوضُ فَكَانَ نِصْفُهَا وَنِصْفُ، وَلَدِهَا لِلزَّوْجِ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الدَّعْوَةِ فَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَهَا عَلَيْهَا بِمَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ الدَّعْوَةِ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَعْتَمِدُ وُجُودَ الصُّنْعِ، وَلَوْ لَمْ يَصْنَعْ فِي عَيْنِهَا شَيْئًا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ صَارَ ضَامِنًا لَهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْوَلَدِ مَمْلُوكٌ لَهَا، وَقَدْ احْتَبَسَ عِنْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي نِصْفِ الْقِيمَة، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الدَّعْوَةِ حِينَ ادَّعَى لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا فَسَدَ نَصِيبُهَا مِنْ الْوَلَدِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا حُكْمِيًّا وَهُوَ يُنَصِّفُ الصَّدَاقَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ، وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ سَبَبَهُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُصْرَفُ مِنْهُ فِي الْمَنْكُوحَةِ لِقَطْعِ النِّكَاحِ لَا فِي الصَّدَاقِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ الْعُقْرِ شَيْئًا.
وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا كَانَ بَعْدَ النِّكَاحِ ضَمِنَ نِصْفَ الْعُقْرِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَحِينَئِذٍ يُعْلَمُ أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا كَانَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْعُقْرِ لَهَا؛ لِأَنَّ بِالْوَطْءِ قَدْ لَزِمَ جَمِيعُ الْعُقْرِ فَإِنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ الْغَيْرِ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ الْعُقْرُ وَالْعُقْرُ زِيَادَةٌ كَالْوَلَدِ فَيُنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ.
(قَالَ) وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ ادَّعَى نَسَبَ الْوَلَدِ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ فَأَمَّا إذَا بَيَّنَ أَنَّهُ وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ فِي يَدِهِ مَمْلُوكَةٌ لَهُ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبَةِ فَيَكُونُ وَطْؤُهُ إيَّاهَا زِنًا غَيْرَ مُثْبِتٍ النَّسَبَ، وَإِنْ كَانَتْ، وَلَدَتْ فِي يَدَيْ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ مِنْ الْخَادِمِ وَالْوَلَدِ سَبْيٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ تُمْنَعُ بِنِصْفِ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَيَكُونُ ابْنُهُ بِدَعْوَتِهِ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَيُضَمِّنُ الْمَرْأَةَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِتَيَقُّنِنَا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي حَالِ مِلْكِهِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ تَقُومُ.
وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ مَاتَتْ فَوَرِثَهَا ضَمِنَ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا لِنَصِيبِ شُرَكَائِهِ مِنْ الْجَارِيَةِ حِينَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِي صُنْعًا مِنْ جِهَتِهِ، وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِي حِصَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْأَبِ مِنْهُ قَدْ عَتَقَ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَيَحْتَبِسُ نَصِيبُ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ الْوَلَدِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ.
(قَالَ): وَكَذَلِكَ كُلُّ مِيرَاثٍ يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ وَلَدٍ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَرِيكُهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ أَوْ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ الْأَبِ فِيهِ قَبْلَ الْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الشَّرِيكُ أَوْ يُكَذِّبَهُ، ثُمَّ الْحَاصِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ، وَالدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ صَدَّقَهُ الشَّرِيكُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ كُلُّهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ بِقَرَابَتِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلسِّعَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَيَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْأَبِ أَمَّا إذَا انْعَدَمَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى الْمِلْكِ فَلِأَنَّ تَمَامَ عِلَّةِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ الْحَاصِلِ بِالْمِيرَاثِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَإِنْ تَأَخَّرَتْ الدَّعْوَةُ عَنْ الْمِلْكِ فَإِنَّمَا كَانَ عِتْقُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ مُحَالًا بِهِ عَلَى الْقَرَابَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْأَبِ.
وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ وَصَدَّقَهُ الشَّرِيكُ فِيهِ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمِلْكِ، وَصَدَّقَهُ الشَّرِيكُ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ لِانْعِدَامِ صُنْعٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ إمَّا بِتَقَدُّمِ الدَّعْوَةِ عَلَى الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مُتَمِّمٌ لِعِلَّةِ الْعِتْقِ، وَإِمَّا التَّصْدِيقُ مِنْ شَرِيكِهِ إيَّاهُ فِي الدَّعْوَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْتَحِقُ بِالِابْنِ الْمَعْرُوفِ وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ الْمَعْرُوفَ بِالْمِيرَاثِ مَعَ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ احْتَبَسَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ عِنْدَهُ، فَتَجِبُ السِّعَايَةُ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمِلْكِ، وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْأَبِ إنَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِعِلَّةٍ ذَاتِ، وَصْفَيْنِ الْمِلْكُ وَالْقَرَابَةُ فَيُحَالُ بِهِ عَلَى آخِرِ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا وَهُوَ الدَّعْوَةُ هُنَا، وَذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ حِينَ كَذَّبَهُ فَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا.
وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَكَانَ الشَّرِيكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ إنَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِقَرَابَتِهِ حِينَ صَدَّقَهُ فِي الدَّعْوَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ أَوْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا وَالدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ فَصَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمِلْكِ، وَصَدَّقَهُ فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ تَتْمِيمَ عِلَّةِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ قَبْلَهُ، وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَهُ، وَصَدَّقَهُ فَهُوَ كَالِابْنِ الْمَعْرُوفِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ الْأَبُ ضَامِنًا لِشَرِيكِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِشَرِيكِهِ فِي الِابْنِ الْمَعْرُوفِ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا يَكُونُ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الِاسْتِيلَادِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ تَمَلُّكِ الْأُمِّ.
وَلَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ هَذَا الضَّمَانُ عِنْدَ الْعُسْرِ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِإِحْصَاءٍ مِنْهُ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْقَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلَدِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ تَكْذِيبِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمِلْكِ، وَكَذَّبَهُ الشَّرِيكُ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْأَبِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَالْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ عِنْدَهُمَا، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ مَعَ تَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فَذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَالْأَجْنَبِيَّ فِيهِ سَوَاءٌ.
قَالَ: أَمَةُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَقَالَ الْمَوْلَى: بَلْ بِعْتهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالْوَلَدُ مِنْهُ فَالْوَلَدُ مِنْ الزَّوْجِ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْفِرَاشِ الْمُثْبِتِ لِلنَّسَبِ لَهُ عَلَيْهَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِهِ، وَيُعْتَقُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَبَ مُقِرٌّ أَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ وَالْمَوْلَى مُقِرٌّ أَنَّهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِ الْأَبِ فَكَانَ حُرًّا بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى، وَأُمُّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُقِرٌّ لَهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَالْمُسْتَوْلِدُ مُقِرٌّ بِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى فِيهَا نَافِذٌ فَلِهَذَا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفَةً لَا تَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَسَعُ الزَّوْجَ أَنْ يُقِرَّ بِهَا؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْفَسَادِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِثُبُوتِ سَبَبِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ الْمَوْلَى مُنْكِرٌ لِلزَّوْجِيَّةِ وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِلشِّرَاءِ، وَبَابُ الْحِلِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلِهَذَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يُقِرَّ بِهَا فَإِذَا مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ عَتَقَتْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُقِرٌّ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَالزَّوْجُ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمَوْلَى فِيهَا، وَعَلَى الزَّوْجِ الْعُقْرُ قِصَاصٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْعُقْرِ تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ، وَلَا عِبْرَةَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فِي ضَمَانِ الْمَالِ كَمَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ هُوَ غَصْبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ فَهُنَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ يُعْطِي بِحِسَابِ الْعُقْرِ وَالْمَوْلَى يَأْخُذُ بِحِسَابِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الثَّمَنِ.
(قَالَ): وَهَذَا الْجَوَابُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْعَتَاق، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتَهَا لِلْمَوْلَى، وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ وَنَوَادِرِ هِشَامٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ الْعُقْرَ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى قِصَاصًا مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فَسَّرَهُ هُنَا.
قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ، وَقَالَ الْمَوْلَى: بَلْ زَوَّجْتُك ثَبَتَ النَّسَبُ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الزَّوْجِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى بِمِلْكِهِ الْأُمَّ كَمَا عُرِفَ بِثُبُوتِهِ فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ قَالَ: أَمَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ فَادَّعَى وَلَدَهَا، وَقَالَ لِرَجُلٍ هِيَ أَمَتُك زَوَّجْتنِيهَا، وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ أَصْلَهَا كَانَ لِلْآخَرِ فَالْوَلَدُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَأُمُّهُ أُمُّ، وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ؛ وَلِلْأُمِّ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ، فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ يُرِيدُ إبْطَالَ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهَا قِبَلَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ احْتَبَسَتْ عِنْدَهُ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لَهُ، وَلَوْ عَرَفَ أَنَّ أَصْلَهَا كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ، وَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ؛ لِأَنَّ بِدَعْوَةِ النَّسَبِ هُنَا لَمْ تَثْبُتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهَا، وَلَا فِي وَلَدِهَا لِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيهَا ظَاهِرًا لِغَيْرِ الْمُسْتَوْلِدِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ لَا يُعْرَفُ لِهَذَا فَقَالَ هَذَا: بِعْتُكهَا، وَقَالَ أَبُ الْوَلَدِ: زَوَّجْتنِي ضَمِنَ أَبُ الْوَلَدِ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْبَيْعِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا عَلَى وَلَدِهَا سَبِيلٌ بِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَلِهَذَا ضَمِنَ أَبُ الْوَلَدِ قِيمَتَهَا، وَلَمْ يَضْمَنْ الْعُقْرَ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّهُ ضَمِنَ جَمِيعَ بَدَلِ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَبُ الْوَلَدِ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجْتُك فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْأَصْلَ لِهَذَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْأُمَّ وَوَلَدَهَا مَمْلُوكَيْنِ مَا خَلَا خَصْلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنْ تُقِرَّ بِأَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا لِإِقْرَارِهِ بِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ، وَلَا يَغْرَمُ أَبُ الْوَلَدِ الْقِيمَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ؛ لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا بِإِقْرَارِ الْمُقَرِّ لَهُ بِبَيْعِهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهَا، وَأَخْذِ وَلَدِهَا فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ أَبُ الْوَلَدِ الْقِيمَةَ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ، وَكَانَتْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفَةً لِإِقْرَارِ مَوْلَاهَا بِذَلِكَ قَالَ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ، وَقَالَ الْآخَرُ مُنْذُ سَنَةٍ فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْفِرَاشِ فِي الْحَالِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ فَقَدْ ادَّعَى خِلَافَ مَا يَشْهَدُ بِهِ الظَّاهِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
فَإِنْ (قِيلَ): بَلْ صَاحِبُهُ يَدَّعِي سَبْقَ التَّارِيخِ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ.
(قُلْنَا) التَّارِيخُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ الظَّاهِرُ لَهُ فِي حَقِّ النَّسَبِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْمُنْكِرَ مُنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَالْآنَ يَدَّعِي فَسَادَهُ بِإِنْكَارِ التَّارِيخِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ فَأَحْبَلَهَا فَهُوَ وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ وَالْوَلَدُ صَغِيرٌ صَدَقَا، وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا قَوْلَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَبَقِيَ الْحَقُّ لَهُمَا، وَمَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ يُجْعَلُ كَالْمُعَايَنِ فِي حَقِّهِمَا فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ لِقِيَامِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ (قِيلَ): كَيْفَ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَيْسَ هُنَا مَنْ يَدَّعِيهَا (قُلْنَا): مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ قَالَ يَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ قَيِّمًا لِيُقِيمَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّهُ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إثْبَاتِهِ بِنَفْسِهِ فَيَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْهُ قَيِّمًا لِإِثْبَاتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ فِي هَذَا حَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ ثُبُوتُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَا تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ ابْنُهُ، وَأَنْ لَا يُنْسَبَ الْوَلَدُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الشَّرْعِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.